ads
رئيس التحرير
ads

الأستاذالدكتور غانم السعيد عميد كليتي الإعلام واللغة العربية السابق يكتب:عند العلماء الربانيين …. الرحمة تسبق العلم

الأربعاء 28-12-2022 13:00

كتب

لما أراد الله لموسى عليه السلام أن يكون تلميذا يتعلم علما لم يعْلَمْه على يد عالم لم يذكر الله عنه أي وصف يحدده سوى أنه:”عبد من عبادنا” وليس هناك أعظم ولا أروع من هذه الإضافة(عبادنا) فهذا تكريم من الله لمعلم موسى ما بعده تكريم وتشريف لا يناظره تشريف، ومع ذلك فإن التلميذ (موسى) هو نبي ورسول وأحد خمسة من الرسل أولي العزم، وكليم الله دون كل الأنبياء والرسل.
وقد حدد الله سبحانه وتعالى ما منحه لهذا المعلم، حتى يكون بهذا التميز والتفوق، ويصير معلما لنبي من أنبيائه، فقال تعالى:”آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما” أي أمران فقط يتميز بهما هذا العالم الرباني (الرحمة) و ( العلم اللدني) أي: من الله تعالى بدون تحصيل ولا اكتساب.
ووقفتي هنا تنصب على العطاء الأول الذي يجب أن يتحقق في كل عالم وهو (الرحمة) فالمعلم يجب أن يكون من أرحم الناس بطلابه، وليست الرحمة هنا تعني التسيب، والإفراط في التسامح إلى الدرجة التي تجعل الطالب يتجاوز الحدود المسموح بها في التعامل مع أستاذه، وإنما الرحمة هنا تشمل عدة معان منها، أن يأخذ بيد ضعيفهم حتى ينهض ويلحق بأنداده، وأن يصبر على أسئلتهم، وأن يتتبع أحوالهم في معيشتهم ويحاول -إن كان قادرا – أن يحمل عنهم شيئا من متطلبات حياتهم، وأن يسأل عن غائبهم، ويعود مريضهم، ويعفو عن مخطئهم، ويتلقاهم -دائما – بوجه طلق ليبعث في نفوسهم الطمأنينة، ويصرف عن قلوبهم الخوف والرهبة، وأن يتودد إليهم بندائهم بأسمائهم – إن استطاع ذلك- وأن لا يتوعدهم بما يكرهون، ولا يعرض عنهم وهم مقبلون، ولا يبحث لهم عن مشكلات تنغص عليهم أوقاتهم، وتصرفهم عن طلب العلم.
وقد عايشت في كليتنا العريقة أمثال هؤلاء العلماء الربانيين، أصحاب القلوب التي تفيض رحمة وإنسانية، فكان بعضهم يقيم في بيته في كل أسبوع مائدة من أشهى الأطعمة ويدعو إليها طلابا بعينهم.
وبعضهم يخصص راتبا ثابتا يعطيه لطلاب بعينهم، وبعضهم مهمته أن يحث الأساتذة على أن يتبرعوا بعدد من نسخ كتبهم المقررة لهؤلاء الطلاب، ورأيت أساتذة يسافرون إلى بعض الطلاب في بلدانهم لمواساتهم في موت أحد من أقاربهم، أو لتهنئتهم في عقد زواجهم.
وللأسف الأسيف، والحزن العميق أننا نجد أساتذة – على العكس من كل ذلك – يتعاملون مع طلابهم بالقسوة بديلا عن الرحمة، فإذا كانوا أذكياء أطفأوهم، وإذا كانوا جادين خذلوهم وضيقوا عليهم طريق العلم والمعرفة، بل فتشوا عن أشياء – من وهمهم- بغرض إحباطهم وقتلهم معنويا.
وهؤلاء الأساتذة – حقا – ليسوا أسوياء، فهم محملون بعقد النقص، يتخذون من الاستكبار والتعالي على طلابهم ستارا يخبئون به نقصهم ودونيتهم، بل وجهلهم، ومن أصعب الأمور على الطلاب في هذا الأمر أن يكون هذا الأستاذ مسئولا عن أمرهم وبيده تحديد مصيرهم.
فطوبى للعلماء الرحماء
وتعسا لكل قاس متكبر جبار.
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
ads

اضف تعليق