الدكتور/ محمود عبدالدايم الجندى يكتب: إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية
السبت 08-11-2025 19:40
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ فإنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا أساسيًا من حياة البشر في هذا العصر، وأضحت وسيلة للتواصل وتبادل المعرفة والأخبار والأفكار، بل ولها أثر كبير في تشكيل الوعي وبناء الرأي العام. غير أنَّ هذه النعمة العظيمة قد تنقلب إلى نقمة إذا أسيء استخدامها، فيقع الفرد والمجتمع في مفاسد جسيمة تتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ الدين والعقل والنفس والمال والعرض.
••••••••••
•أولًا: مكانة وسائل التواصل في الإسلام من حيث الأصل.
الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يَرِد دليل شرعي بالتحريم، ووسائل التواصل الاجتماعي داخلة في هذا الأصل؛ فهي وسيلة من الوسائل، والوسائل تأخذ حكم المقاصد.
فإذا استُخدمت في الخير ونشر العلم والدعوة والتواصل الطيب كانت عملًا صالحًا يؤجر عليه المسلم، وإذا استُغلت في الإساءة والضرر والفساد كانت سببًا للمعصية والإثم.
قال تعالى:
> ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة: 83)
وقال ﷺ:
> «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (صحيح البخاري ومسلم)
فالقول في الإسلام مسؤولية، والكلمة أمانة، سواء قيلت شفهيًا أو كُتبت إلكترونيًا.
•ثانيًا: صور إساءة استخدام السوشيال ميديا
1. نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة
من أكثر الظواهر انتشارًا في المواقع الرقمية اليوم تداول الأخبار دون تثبُّت. وقد حذّر القرآن الكريم من ذلك بقوله تعالى:
> ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (الحجرات: 6)
فإذا كانت الشريعة تمنع نقل خبر واحدٍ قبل التثبت، فكيف بمن ينشره إلى آلاف أو ملايين عبر ضغطة زر؟
•••••••••••
2. الغيبة والنميمة والتشهير
قد تتحول الوسائل الرقمية إلى فضاء للتهكم والسخرية والطعن في السمعة، وهذا يدخل في باب الغيبة والنميمة المحرمتين شرعًا.
-والغيبة هي ذكرك اخاك بما يكره كان تتكلم عنه بكلام قبيح او كلام لا يرضاه ولا يحبه فهذه غيبه.
-والنميمة هي إفساد العلاقات بين الناس كمن يتكلم بأن فلان قال عن فلان كذا او ما شابه ذلك فسيتسبب في القطيعة والتشاحن واثاره الغضب بين الناس وهذا نهى الله عنه
قال تعالى:
> ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ (الحجرات: 12)
وقال ﷺ:
> «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره» (رواه مسلم)
كم من منشور دمر علاقة، وكم من تعليق أساء لإنسان وأهدر كرامته؟
••••••••••٪٪
3. الإساءة الأخلاقية ونشر الفواحش والمحتوى غير اللائق
ان من أخطر صور الانحراف نشر صور أو فيديوهات أو محتوى يخدش الحياء ويدعو إلى الفساد.
قال تعالى:
> ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 19)
••••••••••••
4. ضياع الوقت وإدمان التصفح
يكون الإنسان مسؤولًا أمام الله عن عمره وكيف قضاه.
قال ﷺ:
> «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه…» (رواه الترمذي)
إدمان مواقع التواصل يهدر ساعات طويلة دون فائدة، ويُضعف التركيز ويشتت الذهن، ويبعد عن الطاعة والعمل النافع.
•••••••••••••
5. التعدي على الخصوصيات
نشر صور أو معلومات الآخرين دون إذنهم يُعد خيانةً واعتداءً على الحقوق، وهو محرّم شرعًا.
قال ﷺ:
> «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعِرضه» (رواه مسلم)
••••••••••
ثالثًا: الضوابط الشرعية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي
1. التثبت من صحة المعلومات قبل نشرها
اقتداءً بقول الله تعالى ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾.
2. مراعاة النية
فالمؤمن يجعل من وسائل التواصل وسيلة للطاعة لا للمعصية.
3. احترام الآخرين وعدم التعدي عليهم
ليست الحرية الرقمية مبررًا لإيذاء الآخرين.
4. اختيار الوقت المناسب وعدم المبالغة في الاستخدام
فالمسلم يحافظ على وقته ويوازن بين عمله وعبادته.
5. عدم تتبّع عورات الناس
قال ﷺ: «ومن تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورته» (رواه الترمذي).
••••••••••••
رابعًا: أثر الاستخدام الإيجابي لوسائل التواصل
كما يمكن أن تكون شرًا إذا أسيء استخدامها، يمكن أن تكون بابًا للخير العظيم إذا استغلت بطريقة شرعية مثل:
نشر العلم الشرعي الصحيح.
تذكير الناس بالقيم والأخلاق.
الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
دعم المبادرات الخيرية.
قال ﷺ:
> «الدال على الخير كفاعله» (رواه الترمذي)
—
خاتمة
إن وسائل التواصل الاجتماعي نعمة من نعم الله، ولكنها سلاح ذو حدين. فإما أن تكون وسيلة لبناء الفكر وصناعة الوعي ونشر الخير، وإما أن تكون مصدرًا للهدم والفوضى ونقل الفتن والعدوى الأخلاقية.
والفطن هو من جعلها طريقًا يُقرّبه إلى الله، لا وسيلة تبعده عنه.
أسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن القول وصالح العمل، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
والحمد لله رب العالمين
دكتور/ محمود عبدالدايم الجندى


