فضيلةالدكتور/محمود عبد الدايم الجندى ..كيف نحتفل بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الثلاثاء 02-09-2025 23:36

* يُعَدُّ مولدُ النبيِّ محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم حدثاً عظيماً في تاريخ الإنسانيّة، فقد أشرق بنورِه وجهُ الأرض، وبدعوته تبدّلت حياةُ البشريّة من ظلمات الجهل إلى أنوار الهداية. ولذا فإنّ الاحتفال بميلاده الشريف ليس مجرّد ذكرى تاريخيّة عابرة، بل هو تذكيرٌ دائم بفضل الله على هذه الأمّة، ووقفةٌ للتأمل في سيرته العطرة واستلهام الدروس من حياته المباركة.
أوّلاً: معنى الاحتفال بالمولد النبوي:
______
الاحتفال الحقيقي بميلاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يقتصر على المظاهر والشعارات فقط ، وإنّما يكمن في تعظيم قدره، وإحياء سنّته، والتأسي بأخلاقه. فالمسلم حين يتذكّر مولده الشريف يستحضر الرحمة التي جاء بها ومن ذلك:
*رحمته صلى الله عليه وسلم بالاطفال
_____
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُقبِّلُ الحَسَنَ بنَ علِيٍّ، فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ، ما قبَّلتُ منهم أحَدًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ.
* ومنها رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء عن ابي هريرة رضي الله عنه قال استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا ؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَعٍ ، وإنَّ أعْوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلَاهُ ؛ فإنْ ذهبْتَ تُقِيمُهُ كسرْتَهُ ، وإنْ تركتَهُ لمْ يزلْ أعوَجَ ؛ فاسْتوصُوا بالنِّساءِ خيرًا.
*ومنها رحمته صلى الله عليه وسلم بامته
عن عائشة رضي الله عنها قالت لما رأيتُ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ طِيبَ النَّفْسِ قلتُ يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ لي قال اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم من ذنبِها وما تأخَّرَ وما أسرَّتْ وما أعلنَتْ فضحكتْ عائشةُ حتى سقط رأسُها في حِجرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من الضَّحِكِ فقال أَيَسُرُّكِ دُعائي فقالتْ ومالي لا يَسُرُّني دُعاؤُكَ فقال واللهِ إنها لَدَعْوتي لأُمَّتي في كلِّ صلاةٍ.
كذلك يجب علينا ان نتعلم من اخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وان نعلمها لابنائنا كما يجب علينا ان نتحدث عن سيرته صلى الله عليه وسلم بوجه عام.
ثانياً: صور عملية للاحتفال بالمولد:
____
1. قراءة السيرة النبوية: من أعظم صور الاحتفال بالمولد أن يجتمع المسلمون على مدارسة السيرة، يتأملون في طفولته، شبابه، دعوته، جهاده، وصبره. فهذا يقوّي المحبة في القلوب ويجعلنا نقتدي به.
2. الإكثار من الصلاة والسلام عليه: قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. فالصلاة عليه في هذه المناسبة شرفٌ ووسيلةٌ لنيل القرب من الله.
3. إقامة حلقات الذكر وتلاوة القرآن: فالقرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي جاء بها النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتلاوته وتدبره تُعَدُّ أفضل ما يُهدى في ذكرى مولده.
4. إظهار الفرح والسرور: فقد فرح الصحابة بقدومه، وكانوا يُظهرون حبّهم له في حياتهم، فلا حرج على المسلمين أن يُظهروا الفرح في هذه المناسبة بما لا يخالف الشرع.
5. العمل الصالح والإحسان: من أجمل صور الاحتفال أن يُكثِر المسلم من الصدقات، وأن يطعم الطعام، ويزور المرضى، ويُدخل السرور على الفقراء والمحتاجين، اقتداءً بالرحمة المهداة.
6. تربية الأبناء على محبته من واجبنا في ذكرى المولد أن نغرس في نفوس الصغار حبّ النبي، فنقصّ عليهم سيرته بأسلوب محبّب، ونعلّمهم كيف يكونون على خُلُقه.
رابعاً: المعنى العميق للاحتفال:
____
الاحتفال بمولده صلّى الله عليه وسلّم ليس يوماً واحداً في العام فحسب، بل هو منهجُ حياة. فنحن نحتفل به كلّما عملنا بسنّته، وكلّما تمسكنا بالحقّ الذي جاء به، وكلّما نشرنا الرحمة والسلام بين الناس.
خاتمة
____
إنّ الاحتفال بميلاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم فرصة عظيمة لتجديد العهد مع الله ورسوله، وفرصة لنتأمل في سيرته المباركة، ونقيس أنفسنا بأخلاقه، ونُصلح ما استطعنا من أعمالنا. فالاحتفال الحقّ هو أن يتحوّل حبّنا له إلى سلوك عملي، نعيش به ونموت عليه. وبذلك نكون قد صدقنا في فرحتنا بمولده، وجعلنا حياتنا ترجمةً لرسالته الخالدة.
والله تعالى أعلى وأعلم
دكتور/محمود عبد الدايم الجندى