الرئيسية آخرالاخبار أحداث عالمية أخبار العالم أخبار عاجلة أخبار عالمية أخبار عربية أخبارالعالم العربي اخبارعالمية الأزهرالشريف الرأى الرئيسية الصحافة العالمية الصفحةالدينية العالم في أخبار بأقلامهم صحافة عالمية
قيم تعليمية في ثقافة احترام النظام العام ” ثقافة الوعي بأخلاق الطريق العام ” (٢٩) بقلم 🖋 الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.
الخميس 10-07-2025 19:22

إن ثقافة الوعي بأخلاق الطريق العام تعد ركنًا أصيلًا في المنظومة الأخلاقية المعنية باحترام النظام العام في المجتمع بأكمله، وهي نوع توعية معتبرة؛ لبيان أهمية احترام الطرق العامة، وقواعد المرور المقررة قانونًا، والآداب التى يجب اتباعها من الكافة في شأن التعامل على الطرق العامة، وتطبيق قواعدها طواعية، على نحو مقصودها الأمثل؛ تحقيقًا للسلامة المرورية، وحدًا من الحوادث المرعبة والقاتلة، ومن ثم فإن ثقافة الوعي بأخلاق الطريق العام هي خُلُق عظيم يجب اتباعه من الناس كافة، وذلك من خلال الالتزام بالقيم العامة والمفاهيم الصحيحة، التي تُوَجِه سلوك الفرد والمجتمع نحو اتباع سُبل الطريق الآمن، وهذا لا يتأتى إلا بالالتزام التام بالأوامر والنواهي واحترام قواعد النظام العام، والتعامل اللائق واللطيف مع مستخدمي الطرق المشتركة والسكك العامة، سواء أكانوا سائقين فيها، أو مارّين بها، أو عارضين عليها، فضلًا عن وجوب التحلي بالصبر والحكمة والتفهم لكل المواقف المرورية الشائكة، وتحرى السلامة البشرية بنشر ثقافة الوعي بأخلاق الطريق؛ تعزيزًا للشعور بالأمن والأمان، قال الله تعالى في شأن الطريق العام: ” الذ ي جعل لكم الأرض مهدًا وسلك لكم فيها سبلًا… “(سورة طه آية 53″، أي طرقًا، وقال أيضًا ” والله جعل لكم الأرض بساطًا، لتسلكوا منها سُبُلًا فِجَاجًا “( سورة الملك الآيتان 19، 20)، أي طرقًا واسعة، وتأمين الطرق العامة يعد نوعًا من جملة الحقوق الإنسانية المعتبرة شرعًا وقانونًا، بقاءً، ونماءً، سلامة وصونًا، حماية وحفظًا، وهي حقوق إنسانية لا تعرف التفرقة ولا التمييز بين أفراد البشر، فتشمل الكبار والصغار على حد سواء، دون ثمة تفرقة، يؤيد هذا ما جاء في المادة الثالثة من قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996م، المعدل بالقانون رقم 26 لسنة 2008م ، حيث نصت على أن: ” حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو في كنف أسرة متماسكة متضامنة وفي التمتع بمختلف التدابير الوقائية…”، وهنا يجب التنويه إلى أن التوعية الناجحة إنما تبدأ من الأسرة ثم المؤسسات التعليمية المختلفة، إعمالًا للمادة العاشرة من الدستور المصري، الصادر في 2014م، والتى نصت على أن:” الأسرة أساس المجتمع، قِوامها الدِّين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها، وترسيخ قِيَمها “، لذا؛ فإن المشرع المصري يعمل جاهدًا على صون الأسرة في حياتها ودينها وأخلاقها، ويحرص على تماسكها في أجناسها وأفرادها، وإنماء مودتها وترسيخ قِيمها، ومن جملة القيم الأخلاقية أخلاق الطرق العامة، التي يجب أن تلتزم بها الأسرة في أفرادها وأجناسها، بحيث تسهم بموجب هذا الالتزام في رقي المجتمع وتحضره، فضلًا عن استبقاء سلامته وإعلاء مكانته، وعليه فإن القانون المتبع في المجتمع إنما يستهدف بوجوده أصالة تنظيم سلوك أفراده تنظيمًا دقيقًا مقترنًا بجزاء، لمن يخالف قواعده أو يعارض أحكامه، وذلك في جميع الأنماط الحياتية والتصرفات المعيشية، وهذه من جملة السمات الحميدة للقوانين في كل المجتمعات الإنسانية، بَيْدَ أنَّ الحقيقة الراسخة التي يجب أن نتنبه إليها جميعًا أن: القانون لا ينشئ أخلاقًا إنما ينشئ التزامًا، ويعمل على حماية هذا الالتزام من خلال المرافق العامة للدولة، ومرجع هذا إلى أن الأخلاق مصدرها الدِّين، والعلم، والفطرة السوية النقية، والتعليم القويم، والنصح السليم، والقدوة الحسنة، والتربية المعتبرة، الخالية من شوائب التفلت وعوارض التعصب، فالأخلاق لا ينشئها القانون قطعيًا، وإنما تنصرف أساسًا نحو مصدرها الذي منه نشأت، والسبيل الذي منه جاءت، والمجتمع الذي فيه عاشت، قَال صلى الله عليه وسلم : “إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا”(رواه الترمذي وحسنه)، ولعل ما تعانيه الطرق العامة الآن من خلل وأعطاب مرجعه إلى تفلت القيم الأخلاقية بغيبابها أو نقصانها، فضلًا عن ضعف الجزاءات القانونية، ونقصان التوعية الحقة بمكارم أخلاق الطريق العام، وغياب الجوانب الروحية والحضارية، التى يجب أن تقترن بأنماط الحياة الإنسانية المختلفة في دنيا الناس، ومن ثم فيجب على الأسرة والمؤسسات التعليمية المختفلة أن تعمل على قدم وساق على نشر مكارم أخلاق الطريق العام في المجتمع، فهذا دورها الرئيس، الذي يدخل ضمن التزامها القانوني بتحقيق أهداف التعليم، وترسيخ هذه الأهداف في وجدان أفراد المجتمع وأنماطه السلوكية المختلفة، وهذا ما يؤكده ويحرص عليه الدستور المصري، الصادر في 2014م في المادة ( 19) منه؛ حيث نصت على أن: ” التعليم حق لكل مواطن،هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير ، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز،وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية”، وبناء عليه أقول إن حفظ النفس البشرية، من خلال توعية أفراد المجتمع بمخاطر الظواهر السلبية، معلمين ومتعلّمين مثقفين وعامة، يعد في جوهره من جملة المقاصد العليا للإسلام، فالنفس البشرية هبة الله في أرضه، ولقد كرمها الله تعالي بالحفظ والصون، والتذكية والنماء، والرزق والعطاء، ومن ثم فقد وجب صونها وحفظها، على نحو تؤدي معه مهمتها الرئيسة في الحياة، لتتخذ مواقف رشيدة ومسؤولة حيال تلك الظواهر؛ صونًا للمجتمع في قيمه المعتبرة وآدابه العامة، تحقيقًا للتنمية الشاملة في المجتمع بأسره، معنويًا وفكريًا وأخلاقيًا، بحيث يسهم ذلك في تأمين حياة الفرد والأسرة والمجتمع، ومخالفة ذلك يخرق النظام الإنساني العام ويوجب العقوبة والمساءلة، قال تعالى: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُون}[المائدة:32]، لذا، كان النظام العام في المجتمع هو الأداة الشرعية والقانونية لحفظ الحقوق على أصحابها، وبقائها على قواعدها وأصولها، ولا يتأتى هذا إلا من خلال تعليم قويم، وتوعية مستدامة، ونشر ثقافة واسعة بأخلاق الطريق العام، فضلًا عن وجود قضاء ناجز، يعاقب المعتدين، ويردع العابثين، ويزجر المستخفين بأرواح العباد ومقدرات البلاد، على نحو يحفظ الأنفس البشرية ويحمي الحقوق الإنسانية والمصالح العامة في دنيا الناس، فبالقضاء تعصم الدماء، وتصان الأعراض وتحفظ الأموال وتحمى المصالح، وتجري المعاملات بين الناس؛ نفعًا للعباد وصونًا للبلاد، وهذا إنما يعد من أبسط الحقوق الإنسانية في مجتمع راق وشعب أصيل، يتمسك بالكرامة الإنسانية، ويتسم بالعزة النقية، ويتناقل كريم الأخلاق في الطريق العام، من أجل هذا كله فقد وجب نشر صحيح المعرفة وقويم التوعية بشأن بسط أوجه الخير للناس كافة، والعمل على صون المجتمع، بل والتفاني في صيانته وحفظه، من أي سوء يَمسّه أو أى مكروه يلحق به أو بأفراده، ولا شك أن الحرص من هذه الناحية يجلب حسن المعاملة، واحترام الذات الإنسانية من جوانبها المختلفة في أمر الدين والدنيا معًا، ويستفرغ الوِسع في إيصالِ الخير إلى الغير دون إفراط أو تفريط، ويبصِّر الناس بجميل التوعية الرشيدة في كونها نوع تعاون وجميل رحمة يتقاسمها الناس دون تمييز بينهم أو تفرقة، قال- صلى الله عليه وسلم-: ” لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا يا رسول الله كلنا رحيم قال إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة العامة”، وانطلاقًا من هذه الاعتبارات كلها وغيرها يأتي دور المؤسسات الدينية والتعليمية في بيان حقيقة ما يجرى في الواقع المعيش وأقضيته الشائكة والمعاصرة، بحسبانها المؤسسات التعليمية الأمينة على حماية أرواحنا وتحصين أفكارنا، وبيان صحيح ديننا، وسماحة شرعنا، وجميل علومنا، وقوة وحدتنا، وصفاء مشربنا، وحكمة ولاة أمورنا، وشجاعة علمائنا، وذلك استجابة لما تنادي به رسالة السماء على أهل الأرض من وجوب إقامة العدل، وترسيخ القواعد المعنية بالقيم الروحية والأخلاقة والحضارية، وتعظيم قيم المعروف في دنيا الناس، منهاجًا وأخلاقًا، تصرفًا وسلوكًا، نماءً وعطاءً، علومًا وفنونًا.
الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي
رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.