الرئيسية آخرالاخبار أحداث عالمية أخبار العالم أخبار عاجلة أخبار عالمية أخبار عربية أخبارالعالم العربي الرئيسية الصحافة العالمية صحافة عالمية
( الإمام الطيب…هَيّبَةُ المكان وحَسَنَةُ الزمان ) بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.
الأحد 23-03-2025 16:33

رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.
لقد اهتم الفقهاء والعلماء ببيان الأدب الذي يجلب الهيبة والحكمة لأهل العلم والدِّين، فالأدب من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات الأصيلة، ومن ثم يتحلى بها العالم في أقواله وأفعاله وسائر أحواله، في سيرته ومجالسه، في تعليمه وتعلمه، وفي جميع سلوكه وتصرفه؛ لأن رسالة العلم من أعلى الرسالات وأرفعها مكانة، لذا فقد رأينا إمامنا الطيب يجسد لنا هذه المعاني السامية، حيث نال منه الوقار والجلال مناله، فرأينا الهيبة تعلوه والجلال يكسوه، ومن ثم فقد تجسدت فيه آداب العلم والعلماء ظاهرة وباطنة، قولًا وفعلًا، فَجُمِعَت له المحاسن في خاصَة نفسه وعلمه.
فصار بعلمه وأدبه قويًاً في غير عنف، ليناً في غير ضعف، عالماً فقيهاً، ورٍعًاً نزيهاً، أمينًا على دينه، مخلصًا لوطنه، عفيفًا في لسانه، مترفعًا عما في أيدي الناس، يتورع في نفسه ومسيرته، فاتفع بذلك عن الهنات والشبهات، فكان – بحق- حسنة الزمان ومُجَسِدًا لهيبة المكان، فلانت له الحكمة في كمالها، فتجنب بذلك كل ما يعكر من صفاء نفسه أو نقاء سريرته، أو يشوش عليه أمره في كمال أدبه وعميق علمه، فصار جميل الهيئة، وقور المشية والجِلسة، حسن المنطق والصمت في حينه، محترزاً في كلامه عن فضول الكلام وما لا حاجة له فيه، كأنه يعد حروفه على نفسه عدّاً، وما كان ذلك إلا لسبق علمه أن العالم كلامه محفوظ وذَلَله ملحوظ، لذا فقد جعل ضحكه تبسماً، ونظره فراسة وتوسماً، وإطراقه تفهماً، وقد زيَّنه الله بما يليق به من الثياب، فكان ذلك أهيب في حقه، وأدل على فضله وعميق علمه ورجحان عقله، فاشتهر بين الناس بالسمت الحسن، والسكينة والوقار، فمالت إليه همم المتعلمين والقاصدين، وكَبُر في النفوس الجرأة عليه، حتى صار في هذا الزمان أصفى الناس ذهناً، وأوسعهم صدرًا، وأقدرهم معرفة على أداء الحق، وبذل العطاء، وتحصيل الألفة وجلب النقاء، فتجتمع فيه شخصيته خصال العلم والخير والرفعة.
ولقد رأينا له مواقف عديدة خالدة منها حينما افتقر المجتمع الدولي إلي صوت الحكمة واحتاج إلي حكيم قويم، يلبي مطلبه ويسد حاجته، فصدع صوت الإمام الطيب بالحكمة، هذا الإمام الذي نشأ على الصفاء فارتكنت القلوب إليه، وتربى على مائدة العفة والعلم، فتزاحمت الوفود عليه، ودأب على إنفاق الشجاعة فاقتدى الناس به، وتواتر عمله على تجلية الحكمة فقطع نفسه إليها، فأنزلها موضعها وأدرجها في سياقها المعتبر لها شرعًا وقانونًا، حيث أرسل من الأزهر الشريف، منبر مصر العالمي رسالة إلي مجلس الأمن الدولي في يوم الأربعاء الموافق 14/ 6 /2023م – ولقد كان لها كبير الأثر- ؛ يبيٍّن لهذا المجلس وللأعضاء فيه، كيف تكون أصول السلام العالمي، وكأن لسان حاله يقول لهم إن السلام العالمي للإنسان فى أي مكان إنما يكون بإجراء العدل في دنيا الناس، العدل الذي جاءت به الأديان السماوية التى تؤمنون بها، ذالكم العدل الذي عدلتم عنه، في الوقت الذي تقطع فيه الأديان السماوية كلها أن يجري هذا العدل بين أركان مجلسكم، إقرارا به وتطبيقا له على الناس كافة، ذالكم العدل الذي يتسم في أدنى درجاته – المعتبرة قانونًا – بالعموم والشمول، فلا يفرق بين إنسان أبيض وأسود، أو غني وفقير، أو حاكم ومحكوم، أو قوي وضعيف، فجميع الخلق في ميزان الحق والعدل سواء.
لذا فقد بات لزاما التمسك بإجراء العدل وتطبيقه بين الناس كافة، وهو بهذا الوصف من أفرض الفروض الدينية، ومن أوجب الضرورات الإنسانية والحياتية.
هذا وإن الإمام الطيب هو الرئيس الأعلى لأقدم مؤسسة في العالم في مجال التعليم والتعلم، وأكثرها تأثيرًا في صياعة الفكر العربي والإسلامي والإنساني، فقد تأصلت في الأزهر نظم التعليم وأصوله المعتبرة وتقاليده الأصيلة منذ نشأته عام 972م، وانتقلت منه إلى مختلف جامعات العالم، فكان ولا يزال ملتقى العلماء من الشرق والغرب، يتصدرون فيه حلقات التعليم والتعلم بوصفهم أساتذة وباحثين، زائرين ومتعلمين في هذه المؤسسة العريقة، وهى بهذا القدر الرفيع تعد المؤسسة الأولى عالميًا في تحقيق الأمن الفكري والتقدم الحضاري، وقد أسهم فضيلة الإمام الطيب إسهامات كبيرة في مواجهة أشكال التخريب والتحريف، والتصدى الجاد لموجات التكفير والتدمير، وإرساء معالم النهضة الحديثة في مصر والعالم الإنساني بأسره، فضلًا عن مواجهة الأهواء والبدع الحادثة في دنيا الناس، وإنماء مقوِمات الوطنية الحقة في أعماق النشء والشباب، والتمييز الواضح بين الثقافة الفكرية القويمة والسقيمة، التي تُدَس لشباب الأمة وتُبث لنشئها النقي هنا وهناك، ولما كان الأزهر الشريف هو المعبّر عن وسطية الإسلام، فقد أسهم فضيلة الإمام الطيب في ترسيخ هذه الوسطية، إعمالًا لقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). ” سورة البقرة، من الآية143 “.
دام عطاؤكم إمامنا الطيب….، ودامت بكم هَيّبَةُ المكان وحَسَنَةُ الزمان