ads
رئيس التحرير
ads

قيم تعليمية في ثقافة احترام النظام العام ” الأزهر العتيق رسالة وتاريخًا”(23) بقلم 🖊 الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهر

الخميس 21-03-2024 22:55

كتب

يعد الأزهر الشريف من أقدم مؤسسات العالم في مجال التعليم والتعلم، ومن أكثرها تأثيرًا في صياغة الفكر العربي والإسلامي، فقد تأصلت فيه نظم التعليم وأصوله المعتبرة وتقاليده الأصيلة منذ نشأته عام 972م، وقد انتقلت هذه النظم التعليمية منه إلى مختلف جامعات العالم، فكان ولا يزال ملتقى العلماء من الشرق والغرب، يتصدرون فيه الحلقات التعليمية والعلمية بوصفهم أساتذة وباحثين، زائرين ومتعلمين في هذه المؤسسة العريقة، وهى بهذا القدر الرفيع تعد المؤسسة الأولى عالميا في تحقيق الأمن الفكري والتقدم الحضاري، والاطمئنان النفسي والروحي، فالأزهر الشريف بمنهجه الوسطيّ يمثل حصنًا أصيلًا للأمم ضد مظاهر التعصب والتشدد، والغلو والتطرف، لذا؛ فقد توافد إليه طلاب العلم من كل حدب وصوب؛ تحصيلًا لعلومه، وجمعًا لفنونه المعتبرة، ولقد بقي له الأثر الواضح في نشر ثقافة التغيير والتنمية، واستبقاء فنون التجديد، واستدامة قواعد البناء والتذكية والعمران، فضلًا عن مواجهة أشكال التخريب والتحريف، والتصدى الجاد لموجات التكفير والتدمير، وإرساء معالم النهضة الحديثة في مصر والعالم الإنساني بأسره.
فالأزهر الشريف بعمقه التاريخي جامع حافل بما يربي المتعلمين فيه على التوازن والوسطية، واتباع الدليل ، وترك الافتراق والشقاق، ومواجهة الأهواء والبدع الحادثة في دنيا الناس، وإنماء الوطنية الحقة في أعماق النشء والشباب، والتمييز الواضح بين الثقافة الفكرية القويمة والثقافة السقيمة المنحرفة، التي تُدَس لشباب الأمة وتُبث لنشئها النقي هنا وهناك، ولما كان الأزهر الشريف هو المعبّر عن وسطية الإسلام كانت هذه الوسطية مستمدة منه ومتفرعة عنه، في تكوين منهجه القويم ونظامه التعليمي الحكيم، فهو منهج الاعتدال والاتزان، الذي يتجرد عن كل أشكال الغلو والتطرف والتقصير، عملًا بقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) ” البقرة، من الآية143″.
إن احتضان الأزهر الشريف لمنهج أهل السنة والجماعة، عقيدة وشريعة، تصرفًا وسلوكًا، فقهًا وتذكية، بناءً وعمرانًا، حقيق لأن يتدرج التعليم فيه بين مستويات ثلاثة، المتن، والشرح، والحاشية، وهي أصيلة وكفيلة لأن تفرّق بين الأزهري منهجًا وفكرًا ومشربًا، وبين الدَّعِيِّ الذي تسلل إلى الأزهر لأغراض خبيثة مخصوصة، وكثيرًا ما يؤكد الأزهر الشريف أن منهجه أصيل في اتخاذ التدرج الحكيم، في الدعوة والتعليم والإفتاء والتغيير، فهو منهج يقوم على الجمع الدقيق بين الولاء للمؤمنين والتسامح مع المخالفين، فضلًا عن التيسير في الفتوى والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجمع بين استلهام الماضي ومعايشة الحاضر واستشراف المستقبل، وتعظيم الاستفادة بأفضل ما في التراث من عقلانية المتكلمين، وروحانية المتصوفين، واتباع الأثريين، وانضباط الفقهاء والأصوليين، والجمع بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر، بحسبان التغيّر الحادث في الزمان والمكان وأحوال الإنسان، وذلك في دوائر التعليم والتعلم، والقضاء والإفتاء، وبواعث العلم والإيمان، وسبل الإبداع المادي والسمو الروحي والرقي الأخلاق، وتفعيل القيم الإنسانية والمجتمعية المعنية بإرساء قواعد العدل والحرية.
هذا، ولا يزال للأزهر الشريف الدور الرئيس في صون مصالح الإنسان المختلفة، بقطع النظر عن دينه، أو جنسه، أو لونه، أو لسانه؛ تحقيقا لمقصود رسالته العالمية في إنفاق الخير إلى الإنسانية جمعاء، وصون مصالحها باختلاف أحوالها وزمانها ومكانها، وذلك على الصعيدين المحلي والعالمي.
ومن جهود الأزهر حديثًا إنشائه لبيت العائلة المصري، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (1297) لسنة 2011م؛ لتقوية الروابط الوطنية والمحافظة على وحدة النسيج الوطني في المجتمع المصري، وكذا إنشائه لوحدة لمِّ الشمل بمركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، والتي انطلق عملها في 16/ 4/ 2018م، وكذلك إنشائه للّجنة العليا للمصالحات، انطلاقا من قوله – عز وجل-:{ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ }[الأنفال من الآية رقم 1]، ودوره البارز في قضايا السلام الملحة على الساحة الدوليَّة، كما هو شأن مواجهة قضايا الإرهاب والتطرف، وقضية فلسطين، وقضية مسلمي بورما وغيرها من القضايا التي كان موقف الأزهر فيها واضحا وراسخًا؛ ومرجع ذلك إلي أن رسالة الأزهر الشريف رسالة إنسانية بالأساس،فقد أعدّ الأزهر أيضًا وثيقة الأخوة الإنسانية، الصادرة في 4 فبراير 2019م، والتى كان لها كبير الأثر في جميع الأوساط المعنية بحفظ الأخوة الإنسانية وإنمائها على مستوى دول العالم، فالأزهر الشريف لا يدَّخر وسعًا في تلبية نداء الإنسانيَّة كلِّها، ومدّ يد العون لها في أي مكان، حتى يعمّ الأمن والسلام بين البشر جميعًا.
وأخيرًا: فقد أكد الأزهر الشريف أن مبدأ الحوار وطرح الرؤى والأفكار في هدوء دون انفعال إنما هو من سمات الأقوياء في دنيا المتحضرين الأسوياء الأنقياء، استبقاءً للمودة العالمية، واستدامة نمائها، وترسيخ قِيَمِها الإنسانية.

بقلم 🖊
الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي
رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهر
ads

اضف تعليق