ads
رئيس التحرير
ads

قيم تعليمية في ثقافة احترام النظام العام ” لا سلام دون عدل، ولا عدل دون مساواة ” (٢١) 🖊بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.

الجمعة 23-02-2024 14:20

كتب

“لا سلام دون عدل، ولا عدل دون مساواة “.. تلك هي الحقيقة التي يجب أن تكشف للناس جميعًا ؛ فالعدل أساس الملك، والمساواة ركنه وقِوامه، فإذا لم يجد الناس سلامًا في واقعهم، فقد دل هذا على انعدام العدل في زمانهم، ومن ثم فلا يتأتى السلام بحال، وكذلك إذا لم يجد الناس عدلًا في أمورهم وسائر شؤونهم، فهذا عنوان على غياب المساواة، وغيابها لا شك أنه يورث الفتنة، ويجلب الفرقة، ويثير التباغض والتشاحن، وأما وجود المساواة فيجلب العدل قطعًا، والعدل يجلب السلام، فإذا استبدل هذا السلام بنقيضه فاعلم أن منشأ هذا النقيض هو غياب العدل، وإذا ما استبدل العدل بضده فاعلم أن السبب في زواله إنما هو غياب المساواة، تلكم المساواة الحقة التي يجب أن تجري بين الناس في تصرفاتهم وعلاقاتهم الدنيوية المعتبرة، بل وفي أنماط حياتهم المعيشية المختلفة، وبهذا يتضح لنا أن العالم اليوم إنما يفتقر إلى أصل السلام الإنساني وهو العدل العام، الذي جاءت به الأديان السماوية كلها، ذالكم العدل الذي يتسم بالعموم والشمول، فلا يفرّق بين إنسان وآخر، ولا بين غنيّ وفقير، ولا بين قويّ وضعيف، فميزان العدل بين الناس سواء- أو يجب أن يكون كذلك-، ومن ثم فلا وجود للسلام المنشود دون تحقيق العدل المقصود.
ويحضرني في هذا السياق أن أعيد التذكير بقول الشيخ عبد الوهاب عزام- رحمه الله-: ” إذا أخذ الناس بالعدل اجتمعوا، وإذا آثروا الباطل تفرقوا، وإذا قضوا بالعدل أئتلفوا، وإذا مالوا إلى الهوى تباغضوا، وإن ما نسمع ونرى من خصام وافتراق، وبغض وشقاق، وجدال ومراء، وتنافر وعداء، كل أولئك بما آثر الناس الباطل ومالوا مع الهوى، ودواء هذا الداء أن يُعّرًف الناس الحق، ويُبصَّروا به، ويُرغًبوا فيه حتى يحبوه فيؤثروه، وأن يُعلَّموا العدل، ويُمرًنوا عليه حتى يطيعوه، وأن يُكشف لهم الباطل فى شنعاته، والجور فى سيئاته، ويُبين لهم كيف شقى بهما الناس، وخرب بهما العمران”.
من أجل ذلك أقول: إن الحرب الدائرة في غزة إنما هي حرب ظالمة بكل مقاييس الإنسانية العالمية بالنظر إلي الصهيونية العادية، وهي حرب لرد المظالم ودفع العدوان عن الأرض والعرض بالنظر إلى شعب غزة الأعز الأعزل، إذ كيف يتساوى شعب أعزل تجرد من القوة والسلاح مع قوات صهيونية عادية غاشمة، تزودت بأدوات حربية عالمية فتاكة، لا ترقب في مؤمن إلًا ولا ذمة، وهنا أٌذكِّرُ القارئ الكريم بمدى عدالة بل وشجاعة الحرب التى استعملها الإسلام مع أعدائه – عندما فرضت عليه فرضًا ولم يدعُ لها يومًا بل دفع إليها دفعًا وهو لها كاره -، وهي الحرب بالسيف، حيث لا يقتل به إلا من قاتل دون غيره، فلم يعرف الإسلام في حربه غدرًا ولا جوْرًا، ولم يدعُ أبدًا إلى إهلاك زرع، ولا إلى هلاك ثمر، ولا قطع شجر، ولا قتل إمراة ولا طفل، ولا قلع نخل، ولا ردم بئر، ولا تدمير حجر، ولا يُقبِل على مدبر، ولا يُجْهِز على أجير، ولا شيخ كبير، ولا جريح مريض، ولا يتبع فارًا من ساحة القتال، فالإسلام شريف في ذاته، شريف في حربه، رفيع في إنصافه وإجراء عدله، ولو مع ألد خصومه وأعدائه، وهذا الشرف الرفيع قد أورثه الإسلام لأهله وأتباعه، حتى صارت أوصافه العزيزة من شيم النبلاء، وعمل العظماء، وحكمة الأكابر، وفطنة الزعماء والحكماء.
فهذا هو العدل الذي أوجبه الإسلام عند استعمال السيف، الذي فرٍّق الله به بين الحق والباطل، يقول سعيد بن سويد – رضي الله عنه- :” إن للإسلام حائطًا منيعًا وبابًا وثيقًا فحائط الإسلام الحق، وبابه العدل… “.
ولما كانت الساحة الدولية قد تكاثرت فيها الحروب الضارية، وتعددت فيها ألوان القتل والتفجير والتدمير بلا رأفة ولا رحمة، فهنا أقول إن الإنسانية قد خسرت بسبب ذلك كله أرواحًا كثيرة، وأموالًا عظيمة، ودماءً ذكية، وأعراضًا مصانة، ولا تزال فلسطين الحرة الأبيّة، وغزة أرض الكرامة والعزة، يرثان النصيب الأوفر من هذا الخسران العظيم، بشهادة التاريخ الماضي والحاضر، ذالكم التاريخ المؤلم المكتوب بحروف صمت باردة.
وأخيرًا أقول: إن الحماية الدولية لغزة ولشعبها تعد ركنًا أصيلًا في التزام المجتمع الدولي بما يتحمله قانونًا من مسؤولية دولية وإنسانية، في شأن إرساء قواعد العدالة الدولية العامة، ومن ثم فيحب أن تُشمل غزة بحماية دولية لأرضها، وتأمين عادل ودائم لأهلها، وهذا إنما يعد من أبسط الحقوق الإنسانية لأرض حرة كريمة ولشعب أبيِّ عزيز.
🖊بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي
رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.
ads

اضف تعليق