ads
رئيس التحرير
ads

مجلس الأمن الدولي يكتب أصول السلام العالمي بأيدي الإمام الطيب…للأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.

الجمعة 23-06-2023 10:28

كتب

إذا افتقر المجتمع الدولي إلي صوت الحكمة ..
احتاج ضرورة إلي حكيم قويم، يلبي مطلبه ويسد حاجته في شأن بيان الحكمة والتذكير بها،
ومن ثم فقد صدع صوت الأزهري الحكيم ببيان الحكمة، وهو صوت الإمام الطيب، هذا الإمام الذي نشأ على الصفاء فارتكنت القلوب إليه، وتربى على مائدة العلم، فتزاحمت الوفود عليه، ودأب على إنفاق الشجاعة فاقتدى الناس به، وتواتر عمله على تجلية الحكمة فقطع نفسه إليها، فأنزلها موضعها وأدرجها في سياقها المعتبر لها شرعا وواقعا.
ونحن والحالة هذه إذ بنا نرقب ونسمع صوت حكيم الحكماء،
صوت فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر – حفظه الله – يملأ الأوساط العالمية نورًا وضياءً، فيسمع العالم كله، حيث أرسل من الأزهر الشريف منبر مصر العالمي رسالة إلي مجلس الأمن الدولي؛
يبيٍّن لهذا المجلس وللأعضاء فيه، والمنتسبين إليه، والعاملين به، والمراقبين له، والسامعين عنه، والواثقين فيه، والمؤمنين به، كيف تكون أصول السلام العالمي،
وكأن لسان حال الإمام يقول: أعضاء المجلس الموقر اسمحوا لى أيها السادة أن أمد يدي إلى نهايتها لأرمز بذلك على أن الأزهر الشريف،
الذي ورث علم الوحيين الشريفين إنما يسعى معكم لتحقيق السلام العالمي للإنسان فى أي مكان كان، ويأمل كما تأملون أن يسهم في نشر السلام المنشود وإعادة الأمن المفقود،
وأن هذا الأمل لا يتأتي إلا من خلال أصول معتبرة في دنيا السلام الإنساني، وأول هذه الأصول هو العدل، الذي جاءت به الأديان السماوية التى تؤمنون بها، ذالكم العدل الذي عدل الناس عنه، في الوقت الذي تقطع فيه الأديان – فرضا- أن يجري هذا العدل بين أركان مجلسكم الموقر،
إقرارا به وتطبيقا له على الناس كافة، ذالكم العدل الذي يتسم في أدنى درجاته المعتبرة بالعموم والشمول، فلا يفرق بين إنسان أبيض وأسود، أو غني وفقير، أو حاكم ومحكوم، أو قوي وضعيف، فجميع الخلق في ميزان الحق والعدل سواء .
لذا فقد بات لزاما التمسك بإجراء العدل وتطبيقه بين الناس كافة،
وهو بهذا الوصف من أفرض الفروض الدينية، ومن أوجب الضرورات الإنسانية والحياتية،
فلا يوجد السلام إلا إذا سبقه العدل واقترن به؛ لأنه لا سلام دون عدل، ولا عدل دون مساواة ، فالعدل أساس الملك ، والمساواة ركنُهُ وقِوامُه، ومن ثم فلا أمان يعود ولا أمن يسود إلا ببسط العدل الكامل واقترانه بالسلام الشامل، لأن الناس إذا أمنوا في أوطانهم ارتاحت نفوسهم واطمأنت قلوبهم ، ومن ثم فيسلم بعضهم من بعض، وإلا تقاتل الناس وأورثوا ذلك أولادهم وذراريهم.
هذا، ولقد أوضح الإمام الطيب للعالم أجمع من خلال كلمته التاريخة لمجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الموافق 14/6/2023م ،
أن ديننا الذي تربينا عليه، ونشأنا فيه، وآمنا به، إنما هو دين السلام، وأن قياس الرجل فيه – صلاحا وإصلاحا- لا يكون إلا بسلامة الناس من شره وتأمينهم من خطره، ومن ثم فلا صحة لما يلصق بالإسلام من تهم مقيتة ودعاوى مصطنعة كاذبة، ولما كانت الساحة العالمية تهتز أرجاؤها بأحداث الحروب المنكرة والإرهاب المقيت وألوان القتل المتعددة – تفجيرا وتدميرا-، ولا تزال الساحة الدولية غارقة في لجج اللامعقول واللاإنسانية، وقد دفعت من جراء ذلك ثمنا كبيرا من الأرواح والأموال والدماء والأعراض، لم تدفع مثله من قبل في تاريخها الماضي والحاضر، كما هو شأن القضايا الدولية التى تفلت منها العدل مثل قضايا
( سوريا، والعراق، وليبيا، والسودان، وأكرانيا ,,, وغيرها )، فضلا عن كبرى الأقضية وهي قضية فلسطين مهما طال زمن قيدها أو غاب العدل عن حماية حقوقها وأهلها.
ولا شك أن الأزهر الشريف هو منبر الريادة وركن السيادة، في مواجهة مظاهر الانحراف عن الأصول المعتبرة في الدين والدنيا، ومناقضة آفات الفكر وضلال العقول، وكيف لا ؟ والأزهر هو القائم على بيان مقاصد الأديان، وهو ضمير الدنيا الحي، وجسدها الإنساني اليقظ، الذي يشعر بآلام أهلها الضعفاء ويحذر من جور قادتها الأقوياء.
وانطلاقا من هذه الاعتبارات كلها، يأتي دور الأزهر الشريف؛ ليشارك في تحمل المسئولية تجاه مواجهة الفتن المتعددة، فتنة الظلم والتعدي، وفتنة السلب والنهب، وفتنه الضلال في شأن العوائد والعقائد وغيرها من الفتن الأخرى، ويعمل جاهدا على تقويض دعائم هذه الفتن كلها وألوانها المختلفة، وقد أخذ على عاتقه واجب التذكير بإجراء العدل وتطبيقه في الأوساط الإنسانية كافة، بحسبان ما يترتب على تطبيق هذا العدل وجريانه واقعا في دنيا الناس من إقامة للحقوق ودفع للمظالم، على النحو المعتبر شرعا وقانونا، محذرا بذلك مما يترتب على تفلت هذا العدل أو تخلفه أو الانحراف به أو العدول عنه من فتن متعددة، – قطعا – تجلب الدمار وتورث الخراب في العمران، يقول الشيخ عبد الوهاب عزام فى أحد مؤلفاته :
” … إذا أخذ الناس بالعدل اجتمعوا ، وإذا آثروا الباطل تفرقوا، وإذا قضوا بالعدل أئتلفوا، وإذا مالوا إلى الهوى تباغضوا، وإن ما نسمع ونرى من خصام وافتراق، وبغض وشقاق، وجدال ومراء، وتنافر وعداء، كل أولئك بما آثر الناس الباطل ومالوا مع الهوى، ودواء هذا الداء أن يعرف الناس الحق، ويبصَروا به، ويرغبوا فيه حتى يحبوه فيؤثروه، وأن يعلَموا العدل، ويمرنوا عليه حتى يطيعوه، وأن يكشف لهم الباطل فى شنعاته، والجور فى سيئاته، ويبين لهم كيف شقى بهما الناس، وخرب بهما العمران … “
ولقد نادت جميع الأديان السماوية بتطبيق العدل منهجا وسلوكا وتصرفا، وما جاءت الأديان إلا من أجل إسعاد الإنسان، إسعاده في كماله وبقائه وصون حياته وتأمين نمائه، من أجل ذلك تقرر أن التعدي على نفس بشرية واحدة هو تعد على الأنفس كلها، وأن إحياءها هو إحياء للأنفس البشرية كلها، وفي هذا السياق يقول سعيد بن سويد – رضي الله عنه-، وقد قام في الناس خطيبا ” أيها الناس إن للإسلام حائطا منيعا وبابا وثيقا فحائط الإسلام الحق وبابه العدل، ولا يزال الإسلام منيعا ما اشتد السلطان وليس شدة السلطان قتلا بالسيف ولا ضربا بالسوط ولكن القضاء بالحق وأخذ العدل “،
وهنا يتجلى العدل في أسمى معانيه وأمتن مبانيه، فيستوجب القضاء علي جميع أشكال التمييز بين أجناس البشر، فلا فرق بين إنسان وآخر في أرض الله بين خلق الله بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب.
بل يجب أن يكون جميع الخلق في ميزان السلام العالمي سواء في جميع الحقوق والواجبات، ومن ثم فيجب أن يخضع الجميع لسلطان العدل والقانون بغير إفراط أو تفريط، ودون ثمة خلط بين المراكز الإنسانية المعتبرة في دنيا الناس، الواقعية منها والقانونية، يقول بعض الفقه الفرنسي: ” حيث الكل سيد فلا سيد ، وحيث الكل مسود فلا مسود ، وحيث لا سيد ولا مسود فهي الفوضى بعينها “.
وبناء علي ما تقدم أقول :
إن السلام أصل لكل تقدم ورقي، ومصدر للسعادة والهناء، وأن الحرب أصل لكل فقر وعناء، ومصدر للظلم والشقاء، وأن عظمة العالم في أمنه ورخاءه فى أمانه، وهذا لا يتأتى إلا ببسط العدل الكامل والسلام الشامل، وإرساء قيم الفكر الصحيح ، التي تسهم في صون العقول الحكيمة؛ حماية للحقوق المعتبرة ، وصيانة للمصالح الإنسانية المشروعة.
وأخيرا :
أقول للقائمين على إدارة قضايا الإنسانية العالمية في الشرق والغرب إذا أعياكم الحق أن تنطقوا به فالْيسعكم العدل أن تحكموا بموجبه ومقتضاه.
بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي
رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية.
ads

اضف تعليق