ads
رئيس التحرير
ads

ومن البشرمتألهون على الله…للأستاذالدكتور/غانم السعيد عميدكليتي الإعلام واللغة العربية بالأزهرسابقاّ

الأحد 11-12-2022 09:10

كتب

بعض الناس بتألهون على الله فيجعلون من أنفسهم أوصياء عليه في توزيع رحماته على عباده، فيدخلون فيها من يشاءون ويمنعونها عمن يشاءون، وقد قال الله تعالى – معاتبا ولائما وزاجرا لهؤلاء ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، ومن إعجاز الله في هذه الآية أن تاء الرحمة فيها جاءت مفتوحة (ت) للدلالة على سعة رحمة الله، وانفتاحها لتسع من يشاء من خلقه سبحانه وتعالى.
وحتى أهل الفواحش، والظالمين لأنفسهم بارتكاب الذنوب والآثام والمعاصي فإن الله تعالى يغفر لهم ولا يحجب عنهم رحمته، إذا ذكروه، واستغفروه من ذنوبهم، ولم يصروا على فعلها، قال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾
ومن عظيم فضله، أنه – وهو الله الذي لا يجب عليه شيء – أوجب على نفسه قبول التوبة لمن تاب وأناب إليه، وأنه يظل يقبل من عبده التوبة طالما لم يحضره أجله، قال تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾
” قال أبو العالية : سألت أصحاب محمد عن هذه الآية فقالوا لي : كل من عصى الله فهو جاهل وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ، وكذلك قال سائر المفسرين .
ومن جليل فضل الله، وكرمه، ورحمته بعباده أن من تاب من أهل الذنوب والمعاصي فإن الله لا يتوب عليه فقط وإنما يبدل الرحيم الرحمن ما ارتكبه من ذنوب وسيئات إلى حسنات، قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
ولا يغرن الإنسان كثرة أعماله الصالحة، فقد يسبق عليه القول فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، ولا يهزأ ويسخر من مذنب عاص، فقد يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وعلينا أن ندعو بما علمنا إياه سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – (اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة) ويجب علينا أن نكون على حذر دائم من التأله على الله فنقول هذا إلى جنة وهذا إلى نار، فما تدري عن الذي قلت إلى النار ولا تترحم عليه ماذا كان بينه وبين ربه من أسرار، فلقد غفر الله لامرأة بغي – كما قال رسول الله صلى عليه وسلم – لأنها رأت كلبا يعض الثرى من شدة العطش فنزلت إلى بئر فأخرجت منه الماء وسقته، وقال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).
كما حدثنا – صلى الله عليه وسلم – عن قصة رجل من إسرائيل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم أكملهم مائة بذلك الراهب الذي أيأسه من التوبة، ولم يطمعه في رحمة الله، فعن
أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري  عن نبي الله ﷺ قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم -أي حكمًا- فقال: قيسوا ما بين الأرضيْن، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة).
متفق عليه.
وها هو ذا الرحيم بعباده، يخاطب رسوله – صلى الله عليه وسلم – بأن ينادي على عباده – سبحانه وتعالى – ممن أسرفوا على أنفسهم في الذنوب والمعاصي بأن لا يقنطوا من رحمة الله، فإنه يغفر الذنوب جميعا:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
فيا أيها الميئسون من رحمة الله، المقسمون لها بين الناس، فتوزعونها – بوهمكم – على من تشاءون وتمنعونها عمن تشاءون لا تتألهوا على الله، فرحمة الله وسعت كل شيء.
ads

اضف تعليق