ads
رئيس التحرير
ads

الأستاذالدكتور/غانم السعيد عميدإعلام الأزهرالسابق يكتب…طوبى لزمن كان هؤلاء رجاله….

الجمعة 18-11-2022 00:39

كتب

في وقت دراستنا بالثانوية الأزهرية، كانت سنوات الدراسة في المرحلة الثانوية أربع سنوات، وكان من يصل إلى السنة الرابعة يرى أنه قد أصبح كبيرا، وأن إدارة المعهد لم تعد تملك سلطة أن تتخذ قرارا ضده بمجرد ملء استمارة دخول الامتحان.
وقد يكون ذلك اعتقاد خطأ منا، ولكن كان هذا هو الشائع بيننا، وبناء على ذلك الاعتقاد كنا لا نحضر إلى المعهد كثيرا، وإذا حضرنا نأتي في الوقت الذي يناسبنا غير معتدين بمواعيد الطابور ولا الحصص.
وفي يوم جئنا بعد أن مر نصف وقت الحصة الأولى، فوجدنا باب المعهد مغلقا ووكيل المعهد – وكان شيخا مهيبا، وعالما جليلا، ومرجعية علمية في الفقه المالكي – يقف عند الباب وبيده عصا تكاد تتميز من الغيظ منا بعد أن صنعنا ضجيجا وصخبا أمام الباب، فأذن الشيخ للعامل بفتح الباب، فلما دخلنا احتجزنا وأصر على أن يوقع علينا عقوبة الضرب بالعصا مرتين على أيدينا، ولم يكن أمامنا مفر من الاستجابة لمطلب الشيخ، وكان يوما من أيام البرد الشديدة، فكان تأثير الضرب علينا موجعا مؤلما، بالإضافة إلى أننا كنا نشعر بأننا أصبحنا رجالا لا يضربنا أحد.
وبعد أن انتهى الموقف وأخذنا العقوبة – التي أعتقد الآن أننا كنا فعلا نستحقها – كان لنا زميل له قريب من قريته يعمل رئيس نيابة دسوق، وكان مقر النيابة على مقربة من المعهد فجاءته فكرة أن يذهب إليه ويقدم له بلاغا في إدارة المعهد لما حدث له ، وفعلا ذهب وكنا برفقته لنعضده ونسانده، واستمع إليه وكيل النيابة بإنصات شديد، بعد أن أشار إلى سكرتيره أن يكتب ما يقول، ولما انتهى زميلنا من أقواله، طلب منا رئيس النيابة أن ننتظره على باب المعهد ثم ركب سيارته الخاصة ولحق بنا، ودخلنا معه إلى مكتب الوكيل بعد أن طلب الإذن بالدخول، وبمجرد دخوله وجدناه يجري مسرعا نحو الشيخ في انحناءة تعظيم وتبجيل، ثم انكب على يده وعمامته يقبلهما، وقال له – في تواضع جم – جئتك معتذرا عن تصرفات هؤلاء الشباب، وهم أحفادك وتلاميذك وأنت أرحم بهم من آبائهم، ثم طلب منا أن نفعل كما فعل فأقبلنا جميعا نقبل يد شيخنا وعمامته وفي داخل كل منا لوم شديد لسوء تصرفنا.
وبعد الموقف انفرد رئيس النيابة بزميلنا ليعطيه الأوراق التي كان يسجل فيها السكرتير أقواله، وبالنظر فيها لم نجد أي شيء كتب فيها، غير بيت أحمد شوقي الذي يقول فيه:
قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
وكان تصرف رئيس النيابة من أهم الدروس الحياتية التي تعلمناها ولم ولن تمحى من ذاكرتنا جميعا.
ads

اضف تعليق